أسألُ من أجلها
“إلتقَيْتُ يومًا سيّدةً لم أكن أعرفُها من قبل، وكنّا معًا في رحلة. تحدّثنا سويّةً واستمعْتُ إليها بِأُذُني وقلبي، وأصغيتُ لصرخة الألم في كلامها، ألمٌ ناتجٌ عن شعورها بالوحدة. لقد تُوُفّيَ زوجُها. عائلتُهُ ترفُضُها. أولادُها غير قادرين على تفهُّمِها. بَدَتْ لي في البداية بسيطة، غريبة الأطوار، من مجتمعٍ بسيط. وبالفعل، فهي تُعَرّفُ عن واقعها وعن ذاتها وكأنّها كذلك، وتُعبّرُ عنه بقناعة، فنصدِّقُها.
وعندما تتكلّم عن علاقتها بالآخرين، تُكرّرُ جملةً مفادُها أنّها لا تكترثُ لرأيهم ، كما لو كانت تخشاه وتخشى أن يُؤلِمَها. تبدو وكأنّها مغلقةُ نهائيًّا لكلّ ما يأتي من الخارج، وتشقُّ دربَها في الحياة وحيدة.
أصغيتُ وأصغيت، وقلَّ ما تدخَّلتُ أثناءَ حديثها.
أصغيت من دون أيّ حُكمٍ أو تَحَيُّز، وحاولتُ أن أساعِدَها من آنٍ إلى آخر لِتَكْتَشِفَ بِنَفْسِها الأوضاعَ التي كان من المُمْكِنِ أن تتصرَّفَ فيها بطريقةٍ أخرى.
ساعدها هدوئي وبسمتي واهتمامي الصادق بها، كي تشعرَ بالطمأنينة وتهدَأَ شيئًا فشيئًا. طلبَتْ منّي أن أَنْصَحَها، فَتَمَنَّعْت، لأنّ هذا ليس دوري، إنّما عرضتُ عليها أن تكتبَ كلمةً لكلّ ولدٍ من أولادها تقولُ لهم فيها أنها تُفكّرُ بهم وتُحبُّهُم بالرغم من صعوبة العلاقة معهم. وانتهى الحديث هنا.
بعد فترةٍ قَصَدَتْني وقالت لي: “لقد عَمِلتُ بنصيحَتِكِ وكتبتُ لأولادي، وسنرى ما ستكون النتيجة. قامَتْ بذلك وكانت فرحة، ولكنّها في الوقت نفسه كانت خائفةً من الخَيْبَةِ المُمْكِنَةِ الناتجةِ عن ردّةِ فِعْلِ أولادِها. ومنذ ذلك الوقت كلّما تذكّرتُها، أصلّي لِتَتَحَسَّنَ علاقةُ هذه الأم مع أولادها، وأطلب أن تعودَ يومًا ما لِتَبْنِيَ علاقةً عائليّةً متينةً معهم، وما من مستحيلٍ عند اللّه”.
Spread the love