أخوان لم يُفرّقهما الموت
أنطوان ومايكل حجّار أخوان يبلغُ أحدُهُما الحادية عشرة والآخر أربع سنوات ونصف.
لم يتعرّفا بعد على آلآم الحياة ومشاكلها وانْحِداراتِها، لا يعرفان سوى القيام بواجِبِهما المدرسيّ واللّعِبِ بألعابهما الصغيرة، وهي عبارةٌ عن أشياءٍ صغيرةٍ وبسيطةٍ موجودةٍ عندهما. وكانا يُصلّيان دائمًا قبل النوم.
الكبيرُ بينهما كان مسؤولاً عن البيت وعن إطعام أخيه الصغير في حين غياب الوالدَيْن بداعي العمل. كان أنطوان يقومُ بواجبه المدرسيّ وبواجبه كأخٍ أكبر لمايْكِل، يلعبُ معه ويتّفقان على محطّةِ برامج أطفال، يَحْضَرانها سويًّا من دون غيرة. كان أنطوان ومايكل يَكْسبان محبّةَ الجميع لِما يتحَلَّيان به من فرحٍ وأدبٍ في الحديث، وابتسامةٍ وخجل. يكسبان مَوَدَّة الآخرين وصداقتهم عندما يتعرّفون عليهما للمرّة الأولى.
كان أنطوان الإبن الأكبر الصديق المُقَرَّب لأمّه، يساعدها في المنزل ويشاركها هُمومَها، كما كان حنونًا على أخيه الأصغر، يهتمُّ به من دون غيرةٍ أو حسد. وإذا مرض عمل المستحيل لمساعدته، كما حدث مرّةً عندما اشترى من مُدخَّراتِهِ صندوقَ برتقال، وحمله إلى المنزل، ليَسْقِيَ مايْكِل عصيرَ البرتقال آمِلاً له بالشفاء.
أمّا مايكل فكان يمضي نهارَهُ عند جدّه وجدّته بسبب ذهاب والديه إلى أشغالهما وأخيه إلى المدرسة.
كان طفلاً هنيئًا هادئًا في طعامه ونومه وحركته. وكان ابن الأربع سنوات والنصف، عندما يجتمعُ مساءً مع أخيه وينظر إليه يدرس، يُطفىءُ التلفاز من تِلْقاءِ نفسه ويجلسُ قُرْبَهُ محاولاً أن يتعلَّمَ منه.
وعند النوم، كانا يمسكان بأيدي بعضهما البعض ويُصلّيان سويًّا وينامان معًا. أخوان لا يفرّقهما الطعام واللعب واللهو… حتّى النوم. لقد أحبّا واهتمّا واعْتَنَيَا بِبَعْضِهِما البعض، لا كطِفْلَيْن عادِيّيْن بل كملائكة. لم يُفرّقْهُما شيءٌ ولا حتّى شبح الموت. نعم، لقد رقدا سويًّا بصاروخٍ سقط على منزلهما! رقدا سويًّا لِيَدخُلا بستانَ الجنّةِ وملكوتَ السموات بأبهى زيّ.
شهادة أحد الوالدين:
هنا انقلبَتْ حياتُنا رأسًا على عقب؛ بداية، غَرِقْنا في الألم والأسى وأَحْسَسْنا بثقل الصليب. بعدها بدأتْ تَأْتينا رسائِلُ وعلاماتٌ بأنّ هذين الأخوين ملائكةٌ في الجنّة ورُسُلُ سلام. من بعض هذه الإشارات إستعجالُ أنطوان أمّه الذهاب عند الحلاّق يوم الحادث، كما أرسل صديقته إلى منزلها وهذا ليس من عادته، لكي يذهب هو وأخوه لوحدهما إلى أحضان المسيح…
هناك حادثةٌ أُحبُّ التكلُّمَ عنها وأذكرُها دائمًا لأنَّ بها رجاءٌ وطهارةٌ وقداسة. هي أنَّ أنطوان ومايكل لم تخرجْ منهما رائحة الدم بتاتًا فذلك يدلُّ على جثمانَيْن بهالة ملاك. إنتشر الخبر على وسائل الإعلام، وأُقيمت الصلوات لهما في أغلب بلدان العالم وبخاصّةٍ إيطاليا وكندا وفرنسا وسوريا.
ولقد حملت عائلة الفوكولاري هذا الصليب المؤلم الكبير معنا وزرعت الحبَّ والصبرَ والسلوانَ في قلوبنا المفجوعة.
بعد تسعة أشهرٍ من الحادثة أرسلَ لنا أنطوان ومايكل أخًا جديدًا أَسْمَيْناهُ “أَنْجِيلو” باتّحادِ أحرُفِ إسْمَيْهِما ورُوحَيْهِما، وقد كان هديّةً أشعلت فينا فتيلةَ الأمل من جديد وأوْقَفَتْنا على قَدَمَيْنا.
أنطوان ومايكل لن ننساكما، فأنتما رمزُ الرجاء والطهارة والبراءة.
المدينة الجديدة
Spread the love