أحرارٌ ومسؤولون
خلقنا اللهُ أحرارًا ، قادرين أن نعملَ الخيرَ وأن نعملَ الشرّ. نحن لسنا دمًى متحرّكة بين يديه بل أحرارٌ ومسؤولون. يُمكنُنا أن نجعلَ من الأرض جنّةً أو نُحوّلَها إلى جحيم: نستطيعُ أن نبنِيَ مُدُنًا نتنشّق فيها جوَّ السماء كما نستطيع أن نقيمَ معتقلاتٍ للموت…
عينُ الله ساهرةٌ علينا، كي ندخلَ في علاقةٍ معه، نتّحدُ به، نشاركُ في حياته. هذا هو مشروعُهُ منذ الأزل، مشروعُ حُبّهِ لنا. يقولُ القدّيس بولس في رسالته لأهل أَفَسُس: “فاخْتارَنا قبل إنشاءِ العالم لنكونَ عنده قدّيسين بلا لومٍ في المحبّة، وقضى بسابِقِ تدبيره أن يَتَبَنّانا بيسوع المسيح…” (أف٤٠٥،۱). منذ البدء، قرّر الله أن يُرسلَ ابْنَهُ إلى العالم كي نُصبحَ كُلُّنا أبناءَهُ ونشاركَ حقيقةً بحياته الإلهيّة.
لكنّ الشرّ تغلغل في العالم ولمّا تجسّد “الإبن” لاقى الشرّ: “إلى بيته جاء، فما قَبِلَهُ أهلُ بيته”. (يوحنّا۱۱،۱) دخل الشرُّ العالم لأنّ الإنسان اسْتَمَعَ لإبليس، اختارَ الشرَّ الذي يجرح الإنسان فكرًا وجسدًا ويستعبده، فيشعر أنّه منقسمٌ في ذاته وبعيدٌ عن أخيه الإنسان. وحدهُ الحبّ أو الخير يُحرّرُه، يشفيه، يُوحّدُه، يُعطيه الحياة والفرح والنور والمِلْء.
نظر اللهُ فرأى ضُعْفَنا وخطايانا ولأنّه يُحبُّنا ويريدُنا سعداء، حاول عبر مختارين من بَيْنِنا أن يُقْنِعَنا بتغيير تَصرُّفاتنا، فنعملَ الخيرَ الذي يوصلنا إلى السعادة، لكنّ الأمرَ لم ينجح… ولأنّه يُحبُّنا قرّر أن يتجسَّدَ ويُصبحَ واحدًا منّا، ليُعطينا النورَ والمساعدةَ والقوّةَ لِنختارَ المحبّة.
هذا هو سرُّ التجسُّد: “(…) أحبَّ اللهُ العالم حتّى أرسَلَ ابْنَهُ الوحيد كي لا يَهْلِكَ مَنْ يُؤمنُ به…” (يوحنّا۱٦،٣).
أرسل الآبُ ابْنَهُ ومن خلاله أعطانا ذاته، لأنّ الآبَ هو في الإبن والإبن في الآب.
ميشال فاندلين