أجمل ما يمكنُنا القيام به
إذا كان بعض الأشخاص قد تحضّروا بواسطة تدريبٍ طويلٍ ومُجهدٍ من أجل الإسراع في إنجاح ثورتهم وأظهروا استعدادهم للموت في سبيل أفكارهم، ألا نشعرُ نحن بأنّ الوقت قد حان كي نُجازفَ بكلّ شيءٍ من أجل انتصار الخير؟
لمواجهة العديد من الصعوبات في العلاقات بين العقليّات المتضاربة، بين الشعوب المتنوّعة، بين الثقافات المتباعدة في ما بينها، بين الأديان التي تتشوّه بوجود الأصوليّين، لمواجهة كلّ ذلك لا يُمكننا إلاّ التفكير بأنّ العلاجَ الوحيد هو: الأخوّة الشاملة، وتحويل الإنسانيّة جمعاء إلى عائلةٍ واحدةٍ لديها الله كأبٍ واحد، والإقرار بأنّ جميعَ البشر إخوة. كيف نُحقّق ذلك؟ من هو المؤهَّل الأفضل لتحقيق ذلك؟
مِمّا لا شكّ فيه أنّ المؤهّلَ الأفضل هو يسوع. نورُه يُضيء العالم أجمع. علينا أن نحملَهُ إلى العالم من خلال حياتنا، أن نكونَ يسوعَ آخر، محبّةً مُجسّدةً على مِثاله، قداسة وكمالاً.
إذًا، حان وقت التوق الحازم نحو الكمال. ولكن ما هو الكمال؟
يوجد حول الحياة الروحيّة كلماتٌ رائعةٌ لآباء الكنيسة وقدّيسيها. قد نعرف هذه الكلمات ولكن ما المفيد في أن نتذكّرَها في مثل هذا الوقت؟
بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص البارزين في الكنيسة، الكمال هو عبارةٌ عن عدم التوقّف عن النموّ الروحيّ لأنّ من لا يتقدّم يتراجع، وبما أنّ تقدُّمَنا هو السير على طريق الحُبّ، فكمالُنا هو النموُّ الدائم في المحبّة.
علينا إذًا أن نحبّ، أن نحبّ دائمًا بشكل أفضل. كيف؟ بتركيز نظرنا دومًا على مثالنا: الثالوث الأقدس، الله محبّة.
القدّيس “فرنسيس لا سّال” يؤكّد: “مَن لا يربح يخسر، على درج الكمال من لا يصعد ينزل، من لا ينتصر يبقى مهزومًا”.
إنّ الجذريّة التي يتطلّبُها الحُبّ مُذهلة، إنّ كلَّ شيءٍ في الله جذريّ. هذه الجذريّة يُمكننا أن نتأمَّلَها أيضًا في الأقنوم الثاني الذي تجسّد في يسوع. هو الذي اختبر الترك على الصليب، ففُرِّغَ كُلّيًّا من ذاته البشريّة والإلهيّة. من المُمكن أن نرى الجذريّة أيضًا في مريم المخذولة التي شعرت أنّ أمومَتَها الإلهيّة قد بَطُلَتْ عندما قدّم لها يسوعُ ابنًا آخر، لقد فقدت بذلك أفضل ما تملك بشريًّا وإلهيًّا.
إنّ اللهَ يطلبُ مِنّا كلَّ شيء. لا نستطيع أن نحتفظَ بأيّ شيءٍ لأنفسنا.
إنّ ذلك يتطلّبُ التخلّي عن كلّ ما نملك وعن كلّ ما نكون ولا عن الخيرات التي نمتلكها وحسب، بل عن كلّ شيء. بمعنى آخر أن نبذُلَ أنفسنا، أن نعيش الآخر، وذلك في كلّ لحظةٍ من دون أي تحفّظ. هل تحقيقٌ صعبٌ أم سهل؟
لنُجرّب وسنرى. علينا في كلّ لحظةٍ أن نستسلمَ لإرادة الله، للآخَر، للأخ الذي علينا أن نحبّه، للوظيفة، للدراسة، للصلاة، للراحة، للنشاط الذي علينا أن نقومَ به. وعلينا أن نقومَ بذلك دائمًا بشكلٍ أفضلٍ وإلّا سنتراجع.
وما قد يساعدُنا لنتصرَّفَ هكذا هو أن نكرّرَ دائمًا قبلَ كلّ عمل، وإن بسيطٍ، الجملة التالية: “هذا أجمل ما يُمكنني أن أقومَ به في هذه اللحظة”.حينئذ نكون محبّة، إذ نكون يسوع الذي هو محبّة.
وهذا ما التزم به البابا يوحنّا الثالث والعشرون: “أن أعملَ جيّدًا ما عليّ أن أعملَهُ في اللحظة الحاضرة، كما لو أنّي وُلدتُ للقيام بذلك العمل وحسب”. علينا أن نتمرَّنَ على ذلك نحن أيضًا من أجل تحقيق مشروعنا الخاصّ: الأخوّة الشاملة.
كيارا لوبيك
Spread the love