أبي…! إلى اللقاء!
ها هي أمّي تستقبلكَ مع يسوع ومريم في رحب السماء… كيف لا وأنا أعرف مدى حبّكما لبعضكما البعض. كم كان قاسيًا أبي ألّا أرافقَكَ لحظةَ المغادرة بقبلةٍ أخيرةٍ وغمرةٍ بَنوِيَّة، وكم انْفطَرَ قلبي أمام عجزي… شعورٌ، يقفُ الكلامُ عاجزًا عن التعبير عنه. كنت أودُّ أن أكونَ معك لأقول لكَ “شكرًا” بابا، شكرًا لكلّ ما فعلتَه من أجلنا، شكرًا للإيمان الذي زَرَعْتَه فينا منذ الصِغَر. سأبدأ بذكر أيّام الآحاد، ما مرّ يومُ أحدٍ من دون أن تَصطحِبَنا للمشاركة بالقدّاس الإلهيّ. لم يكن الرفض واردًا، لأنّك عَلَّمْتَنا بمَثلِكَ كم هو مهمٌّ ومقدَّسٌ هذا الوعد.
رحلتَ وتركتَ ليَ الذكريات التي لا تفارقُ مخيّلتي. أتذكُرُ جدّتي؟ أمُّكَ التي كانت تعيشُ معنا، رأيتُكَ تعتني بها، تُدلّلها، أنتَ وأمّي، حتّى يوم رحيلها إلى السماء. ما زلتُ حتّى الساعة أذكرُ كلماتها الأخيرة: “ليُبارِكَكَ الله ويكون معك دائمًا”.
إحْتضَنْت القريبَ والغريبَ في منزلنا، وهذا الإستقبالُ المليء بالحُبّ ما توقّف مرّةً. أتذكرُ كيف كنتَ الحضنَ الدافئَ والأبَ الحنونَ للذين فقدوا أحبابهم، كيف لا وأنت لم تعرف سوى تقديم العطاء والتضحية للآخرين، فأبوابُ البيت بقيت مشرّعةً لكلّ وافدٍ، فَيَجد الدفء والمحبّة. اِستقبلتَ أقرباءنا الذين التجأوا إلينا هربًا من الحرب في لبنان وآخرين أتوا من العراق، رحَّبتَ بهم أنت وأمّي بكلّ حبٍّ وكلّ اهتمامٍ ريثما يجدوا لهم مأوى.
كيف أنسى يا أبي وأنتَ في كلّ ضائقةٍ تمرُّ بها، تجلسُ إلى جانبي، تُهدّأ من روعي بكلامكَ العذب، وتمسحُ من عينيّ الدموع وتطلب منّي ألّا أقلق، لأنّ اللهَ هو من سيهتمُّ بنا، وهكذا كان.
كنتَ أوّلَ مَن ذهب إلى المطار للترحيب بِ”ريتا” و”هايدي”، وكانتا أوّل من أتى من قِبَلِ مجموعة الفوكولاري إلى الأردن. صعدتَ على متن الطائرة تسألُ عن “ريتا” التي ظنَّتْ حين رأتكَ أنّ هناك مشكلةً ما مع الشرطة، لكنّكَ قلـتَ لها بكل بساطة: “أنا والدُ لينا”، وصرتَ من تلك الهُنيْهَة كالقدّيس يوسف بالنسبة إليهما ولمن أتى من بعدهما…
أبي… يصعبُ عليّ الكلامُ عنكَ وعن أمّي، لكنّكما الآن معًا، في رحب السماء، وأطلبُ منكما أن تتشفّعا لدى الله كي ينتهيَ وباءُ الكورونا وكي نكونَ، كما كُنتما، شهودًا لحُبِّهِ اللامتناهي.
شكرًا بابا… وإلى اللقاء،
إبنتك لينا مرقص
Spread the love