يبدو لنا أنّه، بسبب وباءٍ اجتاحَ على غفلةٍ كوكَبَنا واعتقلَنا في زوايا منازلنا، أضحَيْنا معزولين بعضنا عن بعض، نَحْيا مُتقَوقعين ولا أمل لدينا سوى أن ينتهيَ هذا الكابوس، مرعوبين على من نُحبّ وعلى أنفُسِنا، يبثُّ الذُعرَ في قلوبنا كلّما تَصاعَدَتْ أرقامُ المُصابين والمُتوفّين… أتى غيرُ المتوقَّع وغيرُ المرغوب به، أتى هذا الغريب المُتطفِّل يقلبُ موازينَ حياتِنا رأسًا على عقب.
ولكن، بالرغم من خُبثه ووقاحته جعل صراعاتِ الحضاراتِ تختفي، جعلنا ننسى استعمالَ عبارات “نحنُ” و “هُمْ”، جعلنا ننسى ما يُفرّق بين الناس، ونُدركُ أنّنا لسنا نقطة ارتكاز العالم، وأنّ العالمَ يدورُ من دونِنا. تَوحَّدَت اليوم نوايانا وها نحن نتعلّمُ من جديدٍ كيف نُصغي معًا لآلام الإنسانيّة، لم نَعُدْ غرباءَ بَعْدُ بعضُنا عن بعض، ولم تَعُدْ سرعةُ الحياة تَبْتَلِعُنا، فيتيهُ بنا الزمن من دون بوصلةٍ تُعيدُنا إلى صوابنا…
ليلُ عدم الأمان أعادنا إلى رغبة بناء الجسور، ليلُ عدم الأمان جعلنا نتذكّر مَن أَبْعَدَتْنا الدنيا عنهم فعاوَدْنا الإتّصالَ بهم، ليلُ عدم الأمان جعلنا نفكّرُ بالجار، بأفراد العائلة، فتذكّرنا “أيّام زمان”، الجلسات حول المواقد واجتماع أهل البيت حول مائدة الطعام، وسهرات السمر… ليلُ عدم الأمان أيقظَ فينا مواهبَ مدفونةً أو منسيّة، لكنّ الأهمّ أنّه أعادنا إلى ما هو أساسيّ، إلى دَعوَتِنا الحقّة، إلى الحُبّ… فكلُّ شيءٍ زائلٌ ويخرجُ عن سيطرتِنا ليبقى الحبُّ وحده، به ومعه كلُّ شيءٍ ممكنٌ لأنّه صانعُ الأمل، وفي بالي تتردّدُ كلماتُ أغنية “لا مستحيلَ”:
“آمن يقينا لا مستحيلَ، ما دُمْنا نحيا بالأمل لا مستحيلَ،
إنْ عشتَ بالأمل ستُحقِّقُ المُحال،
بثباتٍ ستصلُ أعلى من قِمَمِ الجبال،
أُنظرْ للحلمِ البعيدِ وتسلَّحْ بالإيمان، وإرادةٍ من حديد،
تجدُ حلمك طوعَ البنان”.
نحن اليوم نُرجّحُ كفّةَ القِيَم الإنسانيّة، نحن اليوم نتوحَّد، نحن اليوم نرجعُ إلى أجمل ما نملك، إلى قلبٍ يُغنّي الحياة ساعيًا للتقدّم ولِقَطْفِ جمالِ كلِّ ما وُهبَ للإنسان مجّانًا، نحن اليوم نعود إلى جوهر الإيمان… وهنا نودُّ أن نبقى حين تتبدَّدُ غيومُ الوباء المُلبّدة. هنا نريدُ أن ننصُبَ خيمتَنا لأنّ قواسِمَنا المشتركة أكثرُ بكثيرٍ من تلك التي تحاول أن تُفرّقَنا، ولأنّنا خُلِقْنا لنبنيَ مستقبلاً أفضل وغدًا أكثر وعدًا…
ريما السيقلي